هشاشة الدولة الوطنية وتصاعد النزعة القبلية في منطقة الساحل الإفريقي كعامل إستقرارفي المنطقة بالإضافة إلى اليقظة الإعلامية كآلية لمجابهة التهديدات الأمنية المترتبة عن الأوضاع في الجوار الإقليمي، كانت من بين المحاور التي تم التطرق إليها في الملتقى الوطني الموسوم ب « التهديدات الأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي وأثرها على الأمن والاستقرار الإقليمي لدول القارة الإفريقية » المنعقد بجامعة تمنغست، من تنظيم كلية الحقوق والعلوم السياسية، بالتنسيق مع مخبر إستراتيجية التنمية في المناطق الحدودية بالجنوب الكبير
ومن خلال كلمته أكد رئيس الملتقى الدكتور سالم أقاري أن « اليقظة الإعلامية تلعب دورقي استتباب الأمن في تلك المناطق ». فحسب تعريفه لمعناها: « المقصود منها المراقبة المستمرة للمعلومات المتدفقة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل استباق الحملات الإعلامية المضادة ». اضاف ذات المتحدث أن اليقظة يجب أن تحدد بمعطيات أساسية، على غرار تحليل الأسباب المعمقة في دول الساحل الإفريقي، والكشف المبكر للإشارات، وتسجيل المعطيات في قاعدة بيانات واحدة
في نفس السياق، يرى أن هناك عوامل مختلفة جعلت من دول الساحل تعيش التهديدات الأمنية عل جميع الجبهات، من خلال العملية السياسية الغير مؤطرة، والأنظمة السياسية الهشة أدى بدوره إلى التحول العنيف للسلطة، ليشير إلى الفضاء الصحراوي البعيد عن التتبع ما جعل الجماعات المسلحة تكون بعيدة عن أنظار الحكومات في دول الساحل ليؤكد على الدور الذي يلعبه الأعيان على مستوى المناطق الحدودية من خلال اليقظة المجتمعية ومن خلال العلاقات البينية مع دول الجوار، مما يمكن استعمال الورقة من طرف الجزائر لإرساء مقاربتها الأمنية، وتكون عامل أساسي في حل النزاعات الإقليمية
هذا وفي مداخلته أكد الخبير في شؤون دول الساحل الإفريقي الدكتور « سيدي بوبكر بومدين » أن تصاعد النزعة القبلية في منطقة الساحل الإفريقي كمؤشر للاستقرار ليبرز التجربة الموريتانية بحيث أكد على أن الوعاء القبلي هو الذي ساعد على صعود الرئيس الموريتاني « محمد ولد الغزواني » بعد اعتقال زوجة الرئيس السابق التي كانت مكلفة بالإعلام ومن خلاله سقط الوعاء القبلي، هذا ما حدد الاستقرار في موريتانيا
أضاف الخبير أن التركيبة الاجتماعية لها دور في الاستقرار بحيث أن المجتمع الموريتاني تم تقسيمه إلى فئات اجتماعية، مجتمع البيضان و مجتمع لكور أصحاب البشرة السمراء، وهي تسميات عرقية تنم عن فكر مؤسس لمنطق العبودية، وكافة الانقلابات متجزرة على أساس قبلي، ونفس السيناريوهات كانت في النيجر، على أن الانقلاب الأخير على الرئيس « محمد بزوم » الذي ينتمي إلى الأقلية العربية، والتي لا تمثل حتى واحد بالمئة من مجتمع النيجر، بحيث كان للرجل علاقات مع الحزب الحاكم، والذي يتشكل أساسا من قبيلة الزرمة، و استنادا إلى العلاقات المتجزرة استطاع أن يحتضن بهذا الاحتضان القبلي، ليؤكد على أن الرئيس « بزوم » خسر التصويت في نيامي رغم وجود الأقلية العربية، لكنه نجح على أن يحوز على أعلى نسبة في منطقة زندر التي تحوي المتكون القبلي من الزرمة، ما يؤكد على أن التحزب السياسي مبني على أسس قبلية، ما جعل الرئيس المخلوع لا يجد قبيلة تسنده وتقف معه في تلك الظروف
هذا وفي سياق متصل أكد أستاذ التعليم العالي الدكتور « أحمد بن مالك » أن أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة تعود أساسا إلى هشاشة اقتصاديات دول الساحل وانعدام التنمية من خلال التوزيع الغير عادل للموارد الطبيعية أدى إلى حركية غير متناهية للإرهاب العابر للحدود
يضيف ذات المتحدث أن الحركات الإرهابية في الساحل الإفريقي على غرار « جماعة التوحيد »، وحركة « بوكو حرام »، وحركة « أبناء الصحراء من أجل العدالة »، هذه المعطيات فرضت على الجزائر لتبني مقاربة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال اجتماع رفيع المستوى للقادة العسكريين في قيادة الناحية العسكرية السادسة بتمنغست، من أجل تشكيل جيش موحد وتدعيم الأمن الإلكتروني الذي يعتبر صلب الخطة الأمنية، بالإضافة إلى ضرورة تشديد الرقابة على حركة الأشخاص، من خلال الاعتماد على الخبرة المكتسبة في مكافحة الإرهاب إبان العشرية السوداء، وتبني إستراتيجية شاملة الأبعاد وعلى جميع المستويات، ليخلص المجتمعون على أن الجزائر على موقد مشتعل، هذا الموقد تتزاوج فيه جماعات الجريمة المنظمة مع الجماعات الإرهابية، مع صعوبة التنسيق الأمني مع الجهات الأخرى من خلال انعدام كل مظاهر السلطة مع دول الجوار، هذا من جهة ومن جهة أخرى الدعوة إلى ضرورة إنشاء مركز للدراسات الخاص بالعمق الإفريقي على مستوى الجنوب الجزائري، وهذا مايتطلب العديد من الجهود الإقليمية والدولية
تجدر الإشارة إلى أن هذا الملتقى الوطني ضم أكثر من 14 جامعة وطنية وكانت المداخلات عن طريق تقنية التحاضر عن بعد
الطاهر كرزيكة