من القواعد التنظيمية التي يغفل عليها العديد من المسؤولين عن تسيير وإدارة المؤسسات أهمية الحس الإبداعي والابتكاري في تميز المؤسسة وتنمية قدرات العاملين بها، بالنظر إلى الامتيازات التي يتيحها الابداع للموظف في توفير جو محفز على العمل والعطاء المضبوط بأخلاقيات المهنة من جهة والمنفتح على افاق التميز الوظيفي من جهة أخرى، كما أن عدم تسقيف مساحة العطاء يساهم دون شك في تطوير عجلة الأداء والدفع بها نحو التنمية المستدامة، فهي حاضر المؤسسات الرائدة ومستقبل المؤسسات الناشئة. وعلى هذا الأساس، التفتت الجزائر نحو تبني هذا النهج الوظيفي لاستثمار الطاقات الشبابية وايقاظ الروح الإبداعية والابتكارية لديها، تماشيا مع النهج العالمي وتوجها نحو الفكر المقاولاتي من جهة أخرى وهو ما يجعل الشاب الجامعي على وجه التحديد يستثمر في أفكاره ويطورها ذاتيا بعيدا عن البحث على وظيفة وفق لآليات وزارية ومرافقة من المؤسسات المسخرة لذات الغرض، وهو ما يجعل الطالب فردا منتجا وفاعلا في المنظومة الاقتصادية الوطنية وغير مرتبط وظيفيا بمؤسسة محددة انما مرتبط بنشاط وفكرة يبتكرها ويبدع فيها. وهو ما تجسد في استحداث وزارة المؤسسات الصغيرة والناشئة واقتصاد المعرفة، أما على الصعيد التكويني فقد تبنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نفس المنحى من خلال استصدار عددا من القرارات والتعليمات الهادفة إلى تثمين الأعمال والمشاريع المنجزة من طرف الطلبة أثناء مسارهم التكويني عند إعداد مذكرات التخرج في الليسانس والماستر، وهي المساعي الرامية لتنمية الحس الابداعي لدي الطالب الذي سيتم تحضيره ليكون منتجا بعد التخرج، لكنه لن يكون عبر التوظيف بل عبر مؤسسته الناشئة، ما أتى على شرحه القرار 1275 « شهادة تخرج- مؤسسة ناشئة » عملا على التأطير الفعال للأفكار الإبداعية التي تعتبر نواة المؤسسات الناشئة ومحركها، ذلك أن الفكر المقاولاتي يعتمد على عنصري الابداع والمخاطرة، والجدير بالذكرة ان هذه الخطوة تصب في إطار العمل التنسيقي بين الوزارتين وهو ما أكده وزير التعليم العالي والبحث العلمي في قوله: « ابتداء من هذه السنة سيتم توجيه الطلبة إلى التكوين مثل ديبلوم مؤسسة ناشئة وسيناقشون مذكرات تخرجهم على شكل « ستارت اب »، وسنوقع اتفاقيات مع وزارة المؤسسات الصغيرة لتبني مشاريعهم، وسيتحول الطالب مستقبلا من باحث على منصب عمل إلى صاحب عمل ». وقد تم توفير كل الظروف المواتية لدعم هذا التوجه من خلال تنظيم أيام إعلامية، تكوينية ودراسية لمناقشة اليات القرار وسبل وضع التدابير والترتيبات الميدانية لتهيئة البيئة الملائمة والظروف المناسبة لمرافقة الطلبة في مسعى شهادة مؤسسة ناشئة، وكذا خطوات الانخراط في هذا المشروع الوطني ذو الأبعاد الاقتصادية الهادف إلى استثمار مخرجات التكوين الجامعي وتوظيفها في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق جيل من رواد الأعمال الجامعيين الحاملين للأفكار المبدعة والابتكارية، تخللتها محاضرات متنوعة تضمنت شرحا لأساسيات الفكر المقاولاتي، كيفية الحصول على علامة مشروع مبتكر، كيفية الحصول على علامة مؤسسة ناشئة، كيفية الحصول على الدعم المادي لتمويل المؤسسة، كيفية انشاء المؤسسة الناشئة خطوة بخطوة. وهو ما سهرت اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجزائرية على الوقوف عليه، بالتنسيق مع دور المقاولاتية وكذا حاضنات الأعمال على مستوى الجامعات من خلال خلايا المتابعة المنصبة على مستوى الكليات. كما تم استحداث منصات الكترونية لإحصاء مشاريع المؤسسات الناشئة على مستوى كل جامعة تحضيرا لدراستها على مستوى كل كلية ثم كل جامعة وبعدها على مستوى الوزارة، وقد عرفت العملية اقبالا كبيرا من الطلبة ومتفاوتا بحسب التخصصات والشعب، وقد سجل لغاية هذا الأسبوع 890 مشروع على مستوى جامعة الجزائر3، 390 مشروع بجامعة تلمسان، 348 مشروع بجامعة بسكرة، 300 مشروع بجامعة المدية… وغيرها من المشاريع التي أعلنت عن تعدادها اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وحاضنات الاعمال الجامعية. والعملية في طور الاستكمال إذ لاتزال متواصلة إلى غاية 22 من الشهر الجاري.
نسيمة طايلب- أستاذة علوم الإعلام و الإتصال–جامعة الشلف