L'Algérie de plus près

الدول المارقة وعبثية « الحرب الاستباقية » : هل هي حرب  خليج رابعة ؟

الدول « المارقة » هو مفهوم سياسي استخدم في وصف الدول الخارجة عن القانون عموما، وصحيح أن هذا المصطلح فضفاض وهلامي مثل مصطلح « الارهاب »، بحيث تتعدد دلالاته بتعدد استخداماته ومستخدميه، لكن عموما يمكن الاستناد أن أهم مدلول لمفهوم الدول المارقة ، هو أنها الدول التي تعمل خارج اطار القانون الدولي. تاريخيا ارتبط هذا المفهوم بالادارة الأمريكية. ففي إصدار مجلة « فورين أفيرز »، حدد مستشار الأمن القومي « أنثوني ليك » في عهد « بيل كلينتون » خمس دول على أنها دول مارقة، وهي: كوريا الشمالية، ايران، العراق، ليبيا وإيران. واصفا هذه الدول بأنها أنظمة سياسية ل »دول مارقة وخارجة عن القانون ». وفي أعقاب هجمات « منهاتن » 11 سبتمبر 2001، أعلنت ادارة جورج بوش عن مصطلح جديد في هذا السياق ألا وهو « محور الشر ». ففي خطاب ألقاه بتاريخ 29 يناير 2002، وصف « جورج بوش الإبن » حكومات كل من: العراق وإيران وكوريا الشمالية على انها ممثلة « محور الشر ». وقد استخدم هذا المفهوم من أجل جمع التأييد الشعبي والاعلامي لحروب سيتم اطلاقها لاحقا ضد هذه الدول، وردا على هذا التصنيف شكلت ايران « محور المقاومة » لاحقا

 في هذا السياق انطلقت الحملة العسكرية الأمريكية ضد العراق في 20 مارس 2003 للاطاحة بنظام « صدام » البعثي، تحت مبرر أنها « حرب إستباقية ! ». فماذا يقصد بالحرب الاستباقية هذه؟ 

الحرب الاستباقية أو الوقائية (Preventive war) القصد منها هو خيار استراتيجي يقود الى ايجاد مبررات لخوض الحرب في الحاضر بدون ان تكون تلك المبررات موجودة مسبقا. بحيث يعتمد على الاستشراف والتنبئ، لاستباق حرب مستقبلية متوقعة. وبما أن الحرب في هذا المنظور حتمية الوقوع، فمن الأفضل الاستباق في خوضها لتحصيل نتائج أفضل وتخفيف الضرر الذي من الممكن ان يحدث مستقبلا. فكرة الحرب الاستباقية تندرج في أحد تصورات »الحرب العادلة » من خلال مبدأ ان الاستباق يقود الى تخفيف الاضرار ، في حال ما كان أمر الحرب واقعا لا محالة

 برز هذا المفهوم بقوة في بؤرة النقاشات الفكرية بعد غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق سنة 2003 ، واتخاذ ادارة بوش » منه حجة لشن هذه الحرب، خصوصا بعدما اتضح تهافت حجة « المشروع النووي » العراقي » 

نعود لأحداث اليوم أين نفذت إسرائيل هجوما جويا وصاروخيا من جانب واحد ضد ايران، « ضربة استباقية » ضد إيران وفقًا لتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، مستُهدفة « عشرات » الأهداف النووية والعسكرية، وكذا شخصيات قيادية في الجيش الإيراني وعلماء ذرة. وتلى هذا الأمر رد فعل مباشر من ايران التي اطلقت عديد الرشقات الصاروخية التي سقط أغلبها فوق « تل أبيب » في ما سمي بعملية الوعد الصادق في جزئها الثالث، مخترقة جزئيا الدفاعات الجوية الاسرائيلية، وهو ما يمثل كسر حاجز رمزي لاسطورة القبة الحديدية  

هذا ما يعني من وجه آخر أن الأمر لن يتوقف عند هذه الهجمات وأن المنطقة بصدد الدخول في « حرب خليج » جديدة، هي الرابعة ان حدثت. خصوصا وأننا في عالم فقد توازنه السياسي، وأصبحت الحرب تسبق الفعل الديبلوماسي، وردود الفعل على الضربة الاسرائيلية تكشف أن المآلات قد تكون أسوء، ويمكن ان يمتد مجال هذه الحرب لما بعد المدى الاقليمي للخليج والشرق الأوسط 

ترجع أسباب الهجوم الاسرائيلي اساسا الى تقارير عن قرب توصل ايران لمستويات من تخصيب اليورانيوم تسمح لها بانتاج القنبلة الذرية في القريب العاجل، فمنذ بداية العملية العسكرية التي بدأتها اسرائيل عقب هجمات 7 اكتوبر التي قادتها المقاومة الفلسطينية ضدها، وما تبع ذلك من أحداث أبرزها اجتياح قداع غزة واغتيال حسن نصر الله، الزعيم الروحي والتاريخي لحزب الله اللبناني، سارع ايران في وتيرة برنامجها النووي بوضوح، نظرا للأوضاع المستجدة في المنطقة. وفي هذا السياق تحمل اسرائيل ايران مسؤولية دعم المحور الشمالي والجنوبي ضدها، أي حزب الله والمقاومة الفلسطينية ممثلة في حركة حماس. يمكن ادراج الأمر كذلك في سياق « رؤى صدامية » عن المنطقة تتحكم في السياسات الدولية في المنطقة، تجعل من ايران ونظام ولاية الفقيه عدوا طبيعيا للنظام الاسرائيلي، بخلفيات دينية وهوياتية. كذلك يبدو ان « حكومة نتنياهو » تحبذ اللجوء الى الأساليب العدوانية والهجومية. وهي في هذا الجانب يبدو أنها لا تلقي بالا ولا حسابا للقوانين والشرائع الدولية، لأنها تدرك جيدا انها محمية من « مركز » النظام العالمي 

تركز اسرائيل على اسلوب العمل العسكري الاستخباراتي، بحيث تبادر للضربات الجوية والاغتيالات السياسية، مثلما ما حدث سابقا مع اسماعيل هنية في ايران، وحسن نصر الله في بيروت، وغيرهم من شخصيات محور المقاومة. وفي هجومها على ايران  فجر اليوم الجمعة استهدفت قائد الحرس الثوري الايراني، اللواء حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة، اللواء محمد باقري، وغيرهم ، وكذلك استهدفت علماء في البرنامج النووي الايراني. وصحيح أن هذه الاغتيالات لا يمكن تبريرها بالنسبة لدولة ، لانها ترقى لان تكون جرائما بالألف واللام، حيث يمكن تصنيفها كأعمال تندرج في خط عمل « الدول المارقة » بامتياز. ومن السخرية هنا أن تكون ردود فعل الدول التي كانت تندد بالدول المارقة وتفرض عليها العقوبات والحصارات الاقتصادية والسياسية داعمة لنفس تلك الممارسات التي كانت تندد بها

حشدت الهجمات الاسرائيلية على ايران دعما وتضامنا دوليا كبيرين مع ايران، وهو أمر لم يسبق له الحدوث من قبل فحتى دول كانت تصنف ايران كدولة عدوة في المنطقة اصدرت بيانات استنكار وتنديد ضد الهجمات الاسرائيلية، مثل المملكة العربية السعودية، أما الولايات المتحدة الأمريكية وادارة ترامب فالتزمت موقف الصمت، أما الدول العربية فقد اتفقت هذه المرة على موقف واحد، وهو التنديد واستنكار الهجمات الاسرائيلية. الا أن ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو ضبابية وتذبذب الموقف الأوروبي، الذي يبدو أنه لا يستند لا لمعايير موضوعية ولا قانونية ولا حتى مصلحية، بحيث اصدرت كبرى الدول الاوروبية (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) بيانات دعم « مشروط » لاسرائيل، بالرغم من أن الهجوم يمثل خرقا واضحا للقوانين الدولية، سواء الديبلوماسية او قواعد الاشتباك. وهذا الموقف جاء تناغما مع قبول حجة « الحرب الاستباقية »، بحيث اعتبرت الدول الاوروبية هاته اسرائيل تدافع عن مصالحها استباقيا ضد هجوم ايراني نووي ايراني مستقبلي! بالرغم من أن هذا يمثل خيارا يندرج أكثر في تصور الدول المارقة أكثر منه تأويلا من تأويلات القانون الدولي

وفي المقابل فإن هذا الموقف يتعارض مباشرة مع موقف الدول الأوروبية من حرب أكرانيا، بحيث تزعم روسيا هيبدورها أنها تخوض « حربا استباقية » من أجل منع اكرانيا من الانظمام لحلف الناتو بما يهدد مجالها الحيوي وأمنها القومي. في هذا السياق، وان كان لا يمكن تبرير الحملة الروسية على اكرانيا من ناحية القانون الدولي، فأصعب من هذا تبرير الضربة العسكرية الاسرائيلية، التي تجاوز مداها الاهداف العسكرية لتدخل في اطار سياسية اغتيال علماء وأساتذة وباحثين، وهي استراتيجيات مافيوية بامتياز، تتعارض مع المبدأ القانوني والأخلاقي في آن. وفي هذا السياق يمكن القول أنه حينما تفتقد وتغيب المعايير فإن كل شيء يصبح مباحا

عموما فان أحداث اليوم الموالي للهجوم الاسرائيلي تقول أن ايران تملك من المقتدرات الحربية ما يسمح لها بخوض الحرب مع اسرائيل بتوازن. كما ان تملك عديد المفاتيح الاخرى التي تسمح لها بالمناورة، فصحيح ان اسرائيل تملك التفوق في التكونولوجيا الاستخباراتية والعسكرية، وخصوصا في سلاح الجو، كما أنها تملك دعم الولايات المتحدة الامريكية المباشر، لكن في المقابل فإن ايران تملك حضورا ميدانيا في المنطقة بما يجعل ميزان التفوق الميداني في المنطقة يميل لها، فهي تملك مجالات واسعة للمناورة في نطاقات ما يسمى محور المقاومة، فايران تحاصر اسرائيل شمالا من خلال علاقتها مع حزب الله وجنوبا مع حماس، وفي البحر الأحمر لها جماعة الحوثي، وفي العراق لها كثير من الجماعات المساندة. وصحيح أنها خسرت النفوذ على سوريا، الا انها تعرف جيدا خيارات المناورة في المنطقة. وعليه فإن اصرار ادارة نيتنياهو على الخيار العسكري المباشر سيقود غالبا الى حرب استنزاف طويلة المدى، حرب تذكرنا بحرب الخليج الأولى، التي بدأت غرة وصول نظام الخميني الى السلطة في ايران عقب سقوط نظام الشاه « رضا بهلوي »، حرب استنزاف طويلة دعم فيها الغرب نظام صدام البعثي، قبل أن تنقلب الأمور، ويصبح صدام هو رمز « محور الشر »، لعقدين من الزمان، قبل أن يتم الاطاحة به وترك العراق مجالا حيويا فارغا بدون دولة مركزية، ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ على قول أرسطو الفيلسوف، فإن ايران توسعت في ذلك المجال الحيوي وشكلت ما يعرف ب »محور المقاومة »، قبل أن تتحول اليوم الى العدو رقم واحد لاسرائيل والغرب بعامة في المنطقة الشرق أوسطية. صحيح أنه في السياسة « لا صديق دائم ولا عدو دائم »، لكن كذلك فإن هذه الاحداث تدل على عبثية وفقدان بوصلة التخطيط والاستشراف الاستراتيجي للدوائر السياسية الغربية الرسمية حول خياراتهم السياسية في المنطقة الشرق أوسطية، ويبدو أن السياسيين الغربيين بحاجة أكثر لمن يشرح لهم موضوعيا الطبيعة السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية لشعوب وثقافات ودول المنطقة الشرق أوسطية، وبحاجة لأن يتذكروا حكمة هيجل التي مفادها أن « أهم درس يعلمه لنا التاريخ أننا لا نتعلم منه شيئا وقت الحاجة له »، قبل أن يصدروا خطاباتهم ويحركوا جيوشهم. فاذا كان تصور الحروب الاستباقية هذا يقوم على حساب النيات، فإن « طريق جهنم مليئ بالنيات الحسنة « …

د. أيمن بوطرفة

أستاذ باحث في الفلسفة السياسية

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *