زواج اربعة دورو، العرف الذي لا خروج عنه في مدينة تنس

تمثل طقوس الزواج على عادة سيدي معمر أشهر طقوس الزواج بمدينة تنس وولاية شلف وما جاورها من مناطق والتي ما تزال بعض العائلات محافظة عليها لوقتنا هذا حيث امتزجت في هذه الطقوس النية الصالحة بالمعتقدات الشركية، فهذا النوع من الزواج يقوم على مهر رمزي. وهذا لتيسير الزواج لدى الشباب، خاصة المعوزين والفقراء. ولكنه في نفس الوقت يخضع لتقاليد صارمة وخرافات جازمة، تجعل كل مخالف لها عرضة للعنات والمصائب

فتبدأ قصتنا بالولي الصالح، سيدي معمر، حين استقر والده بمنطقة وادي رهيو «غليزان»، قادما إليها من بلاد الشام، وتزوج ورزق بابن سماه معمر عام 1420م تقريبا… ترعرع هذا الولد رعاية صالحة، فحفظ القرآن ونشأ نشأة صوفية زاهدة.. وقد عرف لما بلغ الشباب بزهده وتقواه وعلمه الواسع. واشتهر آنذاك باسم معمر ابن العالية، ويقال إنه كان مستجاب الدعاء، وقد اشتهر بكراماته، منها تحول عصاه إلى مكحلة، وهذا هو جانب الخرافة في حياة هذا الرجل التقي.. وككل رجل صالح، تحول قبره إلى “مقام”. ولا يزال ضريحه إلى حد الآن بمنطقة خمس نخلات بالقرب من مدينة تنس الساحلية كما قاموا بإقامة ضريح له في كل منطقة كان يجلس فيها او عاش فيها مدة من الزمن مثل سيدي عكاشة وهناك منطقة سيدي معمر التي تسمى باسمه ضواحي منطقة بنايرية

حيث تروي الخرافة حين يتقدم شاب لخطبة فتاة تنتمي إلى عرف سيدي معمر، فهو مجبر على أن يتبع عرف سيدي معمر. حتى إن النسب مع من أرضعوا من أم معمرية.. بعد أن تتم الموافقة، يعرض المهر الذي يتمناه كل شاب جزائري، وتبغضه كل فتاة، وهو عبارة عن مبلغ أربعة دورو، أو ما يعادل آنذاك قطعة ذهبية. أما الآن، فقد يكون مبلغ المهر لا يتجاوز مليون سنتيم. وهو المبلغ الذي حدده الولي، سيدي معمر. ومن يخالفه، بحسب معتقدات هذا العرف، يصاب باللعنة والعقم والمرض وغيرها من المصائب. ويكتمل المهر بكبش وقنطار من الدقيق والسمن

وسبب أن مهر البنت لايتجاوز الأربعة دورو إن سيدي معمر، حين دخل منطقة حميس، قادما من مسجد سيدي معيزة بتنس، صادف رجلا وامرأة تواريا عن الأنظار خجلا، فأتي بهما إليه بعد إلحاح منه، وسألهما عن سبب لقائهما في السر، فقال له الرجل إنه يريد الزواج لكنه فقير، ولا يقدر على مصاريف العرس. فسأله عن عمله، فأخبره بأنه يشتغل في “الدوم”، الذي يستعمل في صنع السلال والمكانس.. فسأله سيدي معمر عن ثمنه، فقال إنه يساوي أربعة دورو، أي قطعة ذهبية. فصار المهر من حينها هو ثمن الدوم. وهذا، لتمكين الشباب من الزواج، وتجنب طريق الحرام

وفي طقوس سيدي معمر، لا تقبل العروس المهيبة، إنما يسمح لها برؤيتها، ومن ثم إعادتها إلى أهل العريس، حتى موعد الزفاف. وعادة ما يكون الأربعاء هو يوم العرس، وقبله بأربعة أيام تقوم النسوة بجمع خُمُر العجائز الحاضرات في بيت العرس، ويقمْن بربطها بعصا طويلة، ويعلقنها في أعلى سقف المنزل. ويعرف هذا اليوم بيوم العلام، ووجوده يعني أن هذا البيت سيشهد عرسا عما قريب

ما يميز عروس سيدي معمر هو لباسها وزيها المختلف، فهي لا تخرج بالبرنوس أو الحايك، بل بثوب بلونين، أحمر وأبيض، يتم جمعه بخيط صوفي، ويشد خصر العروس بحزام قرأت عليه بعض التعاويذ الخرافية

عند خروج العروس من بيت والدها، يؤتى لها بجلد خروف مقلوب، توضع فوقه جفنة تجلس عليها العروس، وتضع يداها وقدماها بالحناء وتغادر العروس بيت العز حافية القدمين، وتركب فوق فرس، وأهل العرس يمشون وراءها.. ولا يجوز لأهل العروسة تقدم موكب او دخول بيت العريس قبل العروسة يتقدم فقط اهل العريس الذين أتو لأخذ العروس، شيء، لا حلويات ولا عصائر.

كذلك، لا يجوز لأهل العروس، الذين تناول شيء في بيت العريس، حتى تتم الدخلة.. وعادة ما يلجأ أهل العريس إلى جيرانهم لإطعام الضيوف، لأنهم إن خالفوا العرف السائد، أصيبوا بلعنة عمرها خمسة قرون.. ويقال إن العروسين سيحرمان من نعمة الذرية. ومن العادات الغريبة، أن تفترش العروس الأرض يوم زفافها، فلا فنادق فخمة ولا فرش منضودة

في صباحية العروس، يؤتى لها برحى، فتطحن القمح ثم تطبخه ليفطر الجميع على ما أنتجته أناملها الناعمة

وتقوم جدة العريس بإلباس العروس ثوبا لعجوز كبيرة في السن، على شكل مقلوب، وربط رأسها بخمار، وتلبس الحايك ويوضع في وسط الحايك الحلوى وقطع السكر، وتمشي في وسط الحاضرات، وهي ترميهن بها وهن يجمعن ما ترميه. وفي الظهيرة، تأتي أم العروس وأهلها، حيث يقمن بإحضار جفنة العروسة، وهي عبارة عن صحن كبير من الكسكس يتزين بالخضار واللحم والحلويات والبيض وأيضا المشروبات

بقواسة يسرى