في حياتنا نقابل الكثير من الأشخاص الذين لم يحصلوا على أي درجة جامعية ،عصاميو التكوين يبحثون بمفردهم ،يلتهمون المصادر المختلفة ويقدسون المعرفة والعلم وهذا ما جعل لهم آفاق غير مرهونة بالمناهج المسطرة وعلى الكف الآخر نجد خريجون بشهادات جامعية معتمدة لم يصلوا للكثير وذلك لتوقفهم عند درجة محددة من العلم والانحصار في مجال واحد وعدم اكتساب مهارات جديدة والغرق في مثلث الجامعة – المحاضرة فالبيت
غالبا ما تكون البرامج التعليمية مستهلكة قد أكل الدهر عليها وشرب ، تعجز الطالب وبدل أن تفتح مخيلته وتنشط إبداعه فإنها تحصره في دوامة من القلق والتعب الدائم خاصة إذا غاب التطبيق
لا أقلل من مستوى الشهادات الجامعية فأنا أمتلك ثلاث بكالوريات ودرست تخصصين لكن ما أركز عليه هو أن ليس كل مثقف متعلم وليس كل متعلم مثقف فالثقافة هي التكوين الشخصي في مجال معين ولا شهادة لها وهي ليست بالشيء الذي ندرسه في الأكاديمية أو الجامعات بل هي متعلقة بمدى المرء على الاستطلاع ووعي الإنسان بالإتصال مع الواقع وقدرته على تحسيس غيره. أما الشهادة فهي تكوين معرفي في مجال معين وهذا التكوين لا يعطيك الحق أن تنصب نفسك مثقفا على الآخرين، الشهادة وثيقة تقنية في مجال معين .. والأدب كشهادة جامعية .. مجال مثل كل المجالات المعرفية التقنية .. والأمر ينسحب على اللغة وعلى الصحافة والاجتماع والطب والصيدلة والجيولوجيا والبيولوجيا والرياضيات والاعلام الآلي والهندسة والتاريخ … إلخ
وأكثر ما يوجهه الطلاب هو مشكل التنظيم والذي يراه أغلبهم أنه مشكل وقت في الأساس ويرددون عبارة أن الوقت لا يكفي لاكتساب مهارة أو ثقافة معينة وللعولمة أثر في ذلك ، باكتساب العادات الغربية الخاطئة فقط فتجد أن أغلبية مجتاحين مواقع التواصل الإجتماعي هم فئة الطلبة يمارسون عادات افتراضية ولا يعيشون شبابهم كما ينبغي نتيجة للفراغ الداخلي لهذه المرحلة أما النسبة المتبقية تمثل الشباب المطلع المثقف ،تجدهم يربحون حرب الأولويات فهم يعرفون ما يريدون بالترتيب ، يدرسون ، يكتسبون مهارات ويسعون لإصلاح المجتمع .
قد يصل المرء المطلع والمثقف إلى محاربة أي وعي متمرد ودخيل عن الوعي المنجز والمنشأ الذي تراضع من أثداء تلك الأجهزة النظامية التي صنعت ورسخت وعي لايقبلالتقطيع لصاحبه فتجده يتبنى الرأي الواحد ويتعلق بهكتعلق الرأس بالرقبة ،هذا النوع يملك صمامات لاتبلورالأفكار ولاتصنع دواليبها خارج ذلك الإطار الظرفي الذي حوط ذلك العقل ،فهذا الوعي يجدد أفكاره بالمقاربة الظرفية التي صنعت ذلك الوعي وأنهت أشغاله فأي خروج فكري عن تلك الأسوار هو وعي يعتبر دخيل على تلك العقول ،فنجد أن الكثير يساند ظرفتيه ويتعامل معها كما يتعامل مع البيضة بالتسليم والتأييد المطلق وعدم تفعيل خاصية العقل للتفكير خارج ذلك المذهب وهو مايضع الكثير من العقلاء والمثقفين والمطلعين يخضعون خضوع تام لمنبتهم الهجين وهو يعطي بذلك سلوك للإنبطاح في أبشع صوره
المشكل كذلك هو مشكل تكوين ومقاييس أصبحت تأخذ دور القابلات تحتضن الطلبة حتى تجهز منهم نموذج مضطرب ثم ترمي بهم للشارع بإطار معرفي أرمل لايملكأي محددات مع مجريات الواقع حتى أن أساتذتنا الكرام يعرفون أن مايقدمونه من مقاييس هو واجهة فقط لمواكبة حياة بيداغوجية فرضت فرضا من سياسة أمر الواقع وليس لها أي علاقة بمخزون التخصصات التي يدرسونها
أمر آخر الثقافة لا ترتبط بالنوادي أو الملتقيات في ظل الإشهار لكل هذا الهراء ، الثقافة تعتمد على حاملها فالمثقف هو المصلح والمنتقد للأحوال الإجتماعية ويجب أن يكون بضمير
كما أن طلب العلم لا يرتبط بسن معين بل التعلم مطلوب لذاته لا لأجل السمعة أو الوظيفة فقط بحيث بعد ذلك يُهملالعلم والتعلم بسبب الحصول على الوظيفة مثلاً، وأن الإنسان ينبغي عليه أن يسعى إلى الحكمة والمعرفة والعلوم بشتى السُبل وإلى آخر نقطة من حياته
نورهان مومنة