عبوب محمد أمين-ابو نزار
أستاذ الإعلام بجامعة حسيبة بن بوعلي-الشلف
aboubamine@gmail.com.
أخبرني أحد البحارة أن أسوء موقف يمكن أن يعيشه الملاح هو فقدانه للشمال وسط البحر، فكما قال لي نفس البحار »إذا فقدت الشمال فإنك لا محال ميت « و »فقدان الشمال عبارة مشهورة عبر ثقافات العالم؛ استخدمت ابتداء من القرن السادس عشر ميلادي لوصف الشخص الذي فقد صوابه ورشده ظرفيا أو المجنون؛ باعتبار الشمال نقطة مرجعية وجب العودة إليها قصد الاهتداء على الاتجاه الصحيح في حال الضياع.
يمكن رصد الشمال بعدة طرق وتقنيات لعل أشهَرَهَا وأَوثَقَها »نجم الشمال » ويسمى علميا ب »النجم القطبي » وهو نجم ساطع؛ براق؛ لامع يهتدي من خلاله الملاحة والرَّحالة برا في أسفارهم، تصفه إحدى الروايات القديمة أنه تَمثُّلٌ لرسُولٍ هَادي يُخلص الناس من الجحيم والتيه؛ ويتغنى الشعراء بروعة ملقاه وسحر مظهره.
وللإنسان شمالُهُ أيضا؛ وهو أمران، إما اعتقاد أو شخص، أما الاعتقاد فهو دين المرء؛ مبادئه وأفكاره التي يعتقدها ويؤمن بصحتها ويحارب ضغوط الحياة ومصاعبها ليجعلها فلسفة حياة، أما الشخص فهو كل من يستأمنه المرء على عواطفه وأسراره؛ ومن يجعل منه نقطة نظام أو بوصلته الروحية لاستدراك أحكامه وتصحيح أخطائه، وهو أيضا من يعتمد عليه لإرجاعه إلى الرشد والطريق الصحيح، هذا الشخص هو بكل بساطة من يضيء حياتك ويجعلها ممكنة؛ أما فقدانه فيحول الحياة إلى امتحانا صعبا لا حلول له سوى الارتجالية منها؛ ما يزيد من حدة الضياع والتيه الروحي والعاطفي والعقلي، حيث يحس الفَاِقدُ أنه كتلة هائمة تتلاعب بها أمواج الحياة فلا ميناء يَلُوحُ في الأفق ولا طيور تُنبِؤُ بيابسة قريبة، لكن القدر يأبى أنه ومهما غاب هذا النجم وانحجب خلف غيوم عابرة فإن هذا لا يعني زواله أو زوال الحاجة إليه؛ بل على العكس تماما؛ فهذا دليل أنه سيَسطُع مرة أخرى ليهدي إلى طريق الخلاص وليَظَلَ في عيون الفاقد نجمًا لشماله.
07/06/2022.