بقلم عادل مسعودي
نقف اليوم مع الكاتب والناشط الثقافي الأستاذ معمر عيساني المساهم بفاعلية وعمق في المشهد الثقافي بولاية الشلف بمداخلات مختلفة حول قضايا الشعر والنقد والتراث والكتاب… ونجده يقترح الأفكار والمشاريع، بروح وطنية راقية. صدر له ديوان شعري بعنوان « قصيدة تبحث عن أنثى » وكتابان بعنوان « جمهورية الحبر » و « إيديولوجيا الرأي »
جريدة الشلف: نرحب بك أستاذ ونرجو تعريف القارئ بشخصكم الكريم؟ ورحلتك مع الكتابة؟ وأهم أعمالك؟
سعيد بهذا اللقاء الجميل مع جريدتكم، وأكثر سعادة أني في لقاء جديد ليتسنى للقراء الأحبة الاطلاع على جديد كتاباتي، ومختلف آرائي في قضايا عديدة لابد أننا سنتحدث عنها لاحقا
معمر عيساني كاتب وشاعر وناشط ثقافي من مدينة الشلف، وهو أستاذ اللغة العربية منذ خمس عشرة سنة، كان لي أعمدة رأي عبر عدد من الصحف الورقية والالكترونية الصادرة باللغة العربية، كما قدمت مبادرات ثقافية رائدة في الولاية، حظيت بإعجاب الطبقة المثقفة ومتذوقي الإبداع
الكتابة رحلة شاقة لكنها جميلة مليئة بالحنو والدنو غلآ الإنسانية ومثالية الأخلاق النبيلة وذروة النضج في الوعي.. الكتابة تدرجت في مضمارها ولازلت منذ الطفولة حين شرعت في محاكاة الشعراء بقصائد لا تملك من الشعر إلا القافية، لأصل أخيرا لكنه القصيدة العربية الموزونة الأصيلة، وانتقلت بعد ذلك للمقال السياسي والاجتماعي والثقافي، وقد حاز شغاف قلبي، كوني وجدت فيه ضالتي حيث أبث أفكاري ووجهات نظري
وخلاصة هذه المسيرة ثلاثة كتب، واحد منها ديوان شعري بعنوان « قصيدة تبحث عن أنثى »، وكتابان منها هي مجموعة مقالات بعنوان « جمهورية الحبر » ثم « إيديولوجيا الرأي »، شاركت بهذه الكتب خلال معارض الكتاب الدولية في الجزائر إصدارا وحضورا، ومصر إصدارا لا غير
جريدةالشلف:ما الذي شجعك على الخوض في هذا المجال؟ وما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع المثقف في الوقت الراهن؟
ما شجعني خصوصية الحياة التي عشتها.. كنت منعزلا نوعا ما، حافظت على مزاجي بعيدا عما قد يشويه، واتخذت نمطا مليئا بالتفرد في عاداته، ومنها الكتابة التي كانت مؤنسي وبديلا عن فوضى العلاقات الاجتماعية منذ الطفولة وصولا إلى فترة الدراسة الجامعية التي انفتحت فيها أكثر من خلال أنشطتي مع التنظيمات الطلابية والنوادي الأدبية والجمعيات الثقافية، وبعد التخرج كان لي إسهامات في بعض المؤسسات الثقافية العمومية
الدافع الآخر للكتابة هو مشاركة الناس آرائي وأفكاري، وفي ذلك لذة كبيرة، وربما غبن آخر قد تطلع عليه عندما تجد فئات ضالة ممن لا يحسن أدب الخلاف ولا يؤمن بالآخر.. لكنها تساهم في صقل الموهبة وتمام النضج
في مرحلة ما من مسيرتي الإبداعية قررت ملء الفراغ الذي تركته الهيئات الرسمية في الساحة الثقافية من خلال مبادرات ثقافية كنت السباق إليها بمجهودي الخاص، فكانت تجربة « لقاء الشعراء » التي رعتها المكتبة الولائية في الشلف سنة 2015، وكانت بمثابة مسابقة شعرية برؤية فنية جديدة تفردت بها ولاية الشلف وقتها، وتلتها سلسة « رحلة ثقافية » التي جمعت فيها نفرا من الكتاب والشعراء والأساتذة والمثقفين والناشطين في مجال الصحافة والمحاماة والتصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والراوية، كلهم ساهموا في نجاح السلسة من خلال زيارة أكثر من ثماني ولايات، صورنا فيها حلقات تم عرضها عبر صفحتي على يوتيوب، وتغطيتها إعلاميا من قنوات تلفزيونية وجرائد كثيرة، زاوجنا في تلك الحلقات بين الثقافة والسياحة، ولم أكتف بهذا وقدمنا سلسة « سنقرأ في رمضان » وقد استقطبت كثيرا من هواة المطالعة وعشاقها، واستمر العطاء الإيجابي مع سلسلة « مكالمة » التي حاورت فيها شخصيات عبر الوطن حول قضايا فكرية واجتماعية كثيرة
كل هذه المبادرات باستثناء « لقاء الشعراء »، لم أتلق أي دعم، بل كنت أخصص مبالغ مالية من ميزانيتي الخاصة لإنجاح هذه المشاريع الثقافية التي كانت متنفسا لي وفرصة لإخراج طاقتي الدفينة. طاقة كان الأولى أن تهتم بها مديرية الثقافة، ولكن للأسف لازالت العقلية الكرنفالية تسيطر على الساحة، وتغيب الكثير من المواهب الشابة التي ظهرت مؤخرا وترغب بشدة في تقديم إبداعاتها
جريدةالشلف: ماهي أبرز المعوقات التي تواجه الكتابة الإبداعية اليوم خاصة في ظل الانشغال بهموم الحياة اليومية؟
أول عقبة للكاتب الرقابة، نعم إنها المقص الذي يمنعك من كتابة أي شيء وكل شيء.. هنا لا نكتفي بالرقابة السياسية، بل نتجاوزها إلى الرقابة الاجتماعية، الرقابة التي يمارسها من اكتفوا بالنمطية والرتابة، أولئك الذين تحجرت الأفكار في رؤوسهم، أولئك الأنانيين الذين يغلقون الطرق أمام زملائهم الكتاب الجدد
ضف إلى ذلك نوازع الحياة اليومية من جري خلف كسب لقمة العيش، فالكاتب سيكون له أسرة وأعباء مالية لابد من توفيرها، وهو ما لم تقدمه له وزارة الثقافة ولا كتاباته في هذه الرقعة الجغرافية الموبوءة بمقت الإبداع والغارقة في التفاهة والمادية البحتة
جريدةالشلف:ماهي قرائتك للمشهد الأدبي والثقافي في ولاية الشلف؟
الشلف عامرة بالكتاب والمبدعين الجدد الشباب والشابات لكن قلوبهم شتى.. لو اجتمعوا لفعلوا الأعاجيب، لكنهم يلجؤون لولايات أخرى لإثباب وجودهم، أو يكتفون بصفحات الفايسبوك لتقديم منجزاتهم للقراء والمتابعين، وهذا لن يكفي فالواقع أولى بحضورهم، وهذا الواقع مسير من طرف فئات لا كهرباء بينها وبين الجيل الجديد، لازالت ترى أنها راعية غنم، وعلى الغنمات اتباع عصاها، في الشلف توجد مبادرات ثقافية محتشمة لكنها لا تليق بولاية فيها خزان من الكتاب المبدعين، وتستطيع تقديم مواسم ثقافية متفردة في الوطن
بالمقابل على الكتاب والشعراء تحصين أنفسهم إيديولوجيا، والعمل على نضج كتاباتهم، ليكونوا أحق بريادة الساحة المحلية وتغيير الرداءة بالجودة
جريدةالشلف:ما هو تعريفك للمثقف؟ وكيف يمكن بناء جسر بين النخبة المثقفة والبسطاء من الناس؟
المثقف يا عزيزي هو تلك البوتقة التي تسع الوعي بالجمال والتاريخ والهوية وحاجات العصر، المثقف هو خلاصة قراءات وتجارب وحتى صدمات.. طبعا هذا تعريفي الخاص بغض النظر عن التعريف اللغوي والاصطلاحي، وهذا المثقف الذي يمثل النخبة لن يكون بينه وبين الناس البسطاء جسر وتواصل إلى إذا تخلى عن العقلية الوصولية الانتهازية، فالناس سيكفرون بالنخبة التي تسعى للحصول على منصب لدى الدولة، أو الخبز من الأنشطة الثقافية، الناس يريدون قادة يناضلون من أجل الأفكار والمبادئ.. أنا لا أحب تضييق الفكرة لتصبح تضحية وخسارة.. بل أريدها شرفا لمسيرة أي مثقف.. كن نقيا عن تبعية الحمقى مترفعا عنهم.. لا تجعل مصيرك بيد مسؤول أو رجل أعمال أو جمعية أو صحفي أو اتصال هاتفي من منظم تظاهرة ثقافية.. كن أنت الأصل والمرجع
جريدةالشلف:هل المثقف الجزائري عنصر فعال ومؤثر أم مؤدلج وألعوبة في يد من يملك السلطة والمال؟
المثقفون في الجزائر يعشقون الأدلجة، صعب أن تجدهم دون توجه خارجي، طبعا التوجه الفكري ضروري، ولكن آفته أن يكون بعيدا عن رقعتك الجغرافية التاريخية التي تنتمي إليها، وهو ما نجده في سجالات من يتبع الاتراك أو الواهبيين أو الإخوان أو الفرانكفونيين، وغيرهم.. السؤال الآن: أين الهوية الجزائرية، أين المشروع الخاص بنا، أين قناعاتنا لنحسن التموقع أمام الآخر؟ كل هذا جعل التأثير الخاص بنا في المنطقة العربية يأفل ويقل ويتراجع، والبعض أصبح بوقا لتيارات أخرى يكفيه منها أنها تدفع له المال!!
جريدةالشلف:هل أنت مع أو ضد المعالجة الأدبية والفكرية للتابوهات؟
معالجة التابوهات وطرحها للرأي العام ضرورة، ويمكن أن تجد ذلك في التاريخ الإسلامي، وفي قرآننا الكريم حين الحديث عن العلاقة الجنسية، أو عندما يخصص القرآن الكريم صفحة كاملة لأقوال الكفار المكذبين بالبعث، هل يستطيع التلفزيون الرسمي في السعودية مثلا عرض أفكار الإخوان المسلمين، أو المعارضة السياسية الأخرى؟ طبعا لا.. وهنا المفارقة، علينا طرح مختلف الآراء ونحن في مكان قوة وثقة فيما لدينا من عقيدة وثوابت وهوية، أما إخفاء رؤوسنا في الرمال خوفا من الحديث لن يفيدنا بل سيضعف موقعنا، ويقامر بقضايانا ويجعلنا من المشكوك فيهم غير الجديرين بالاتباع
هنا لابد من التنويه بحسن طرح القضايا الحساسة بلباقة وأخلاق غير خادشة للحياء لدى الرأي العام، طرح التابهوات هدفه العلاج وإيقاف السلبي منها، وليس كسب المشاهدات وصناعة الضجة الإعلامية الفارغة الجوفاء
جريدة الشلف: كلمة أخيرة للقراء؟
أخيرا وليس آخرا أشكر القراء الكرام على الوفاء الذي أحظي به لديهم، وأشد على يد كل كاتب وأدعوه لمواصلة الكتابة بأي شكل كان، الأهم الاستمرار وتصحيح الأخطاء والحضور لصناعة البديل، ونحن نعول على الجيل الجديد من الكتاب، الذين أرجو منهم أن يحملوا رسالة سامية تتجاوز مصالحهم الخاصة إلى إحداث نقلة نوعية في وعي المجتمع الجزائري وذائقته الأدبية، لعلاج ما حل به من تفاهات إعلامية وفراغ فكري وديني، سنخسر به خصوصيتنا الجزائرية أمام هجمة سامة عبر الافتراضي تستهدف كل ما نحتاجه للبقاء في فطرة سليمة وهوية إسلامية ووعي تاريخي سياسي اجتماعي يحقق ما نرجوه من الجزائر الجديدة